ضمن أسبوع مكافحة مرض الطائفيّة الذي أطلقته جمعيّة الشباب العرب – "بلدنا"، وبمشاركة عشرات الشباب والشابات، عقد منتدى "بلدنا" الثقافيّ، يوم الثلاثاء الماضي، 17 ديسمبر/ كانون الأوّل 2013، لقاءه الثاني لهذا العام، تحت عنوان: "صناعة الطائفيّة: النموذج الفلسطينيّ"، وقد استضاف الباحث د. إسماعيل ناشف.
استهل د. ناشف مداخلته بالتطرّق إلى المبنى الاجتماعيّ في المجتمع الفلسطينيّ، موضّحًا أنّ الاستعمار يستخدم أسلوب التقسيم، ويقوم بصناعة فئات معيّنة في فلسطين، حيث شرعن المستعمرون الأوروبيّون والإنجليز احتلالهم بتبني خطاب أنّها إرث "يهودي-مسيحي". وتم -في فلسطين ومستعمرات أخرى- تسويغ التوسّع الاستعماري بواسطة الغطاء الديني، حيث أفرزت المؤسّسة الاستعماريّة الانتماءات الطائفيّة. والنتيجة هي أنّ الانتماء الطائفيّ هو الغالب في مجتمعنا، لأنّ السقف الزجاجيّ الاستعماريّ يمنع تطوّر الانتماءات الأخرى.
ثم تطرّق ناشف إلى نموذج "المُسلم المعتدل"، الذي ينتجه النظام الإسرائيليّ، وهو نموذج لإنتاج فكر طائفي بمسوغات طائفيّة. وأيضًا من آليّات هذا النظام: التقسيم، وخلق هويّات مُختلفة (بدو؛ دروز؛...) وانشاء أنظمة تعليم خاصّة لكلّ منها. بالإضافة إلى الآليّة الطائفيّة الأخيرة، التي تطرّق إليها، وهي "الكوتا"، التي تمّ قبولها في المجتمع الفلسطينيّ في الداخل خاصّةً، موضّحًاً أنّه قبل عام 1948 لم يكن الحال كهذا، فالأحزاب آنذاك لم تستعمل آليّات طائفيّة مُستوردة.
كما ركّز ناشف على كيفيّة التحرّر والتغلّب على الأنظمة الطائفيّة المفروضة علينا. فمن الظاهر أنّ في ثقافتنا الفلسطينيّة عوامل تحقّر المختلف (من حيث الشكل، اللهجة، الجنس، البلد، ...)، وأكّد أنّ المدخل الأساسيّ لمعالجة الطائفيّة هو: تحرير المُقدّس الدينيّ من قدسيّته.
وتابع ناشف، أنّ هذا التحرير يتمّ عن طريق التحرّر أولًا من التوجّه الإعتذاريّ الذي يتلخّص بأنّ المُقدّس يبقى مقدّسًا. ويدعو ناشف لإعادة قراءة الإرث الإسلاميّ على أساس أنّ هذا الإرث هو مُلك الناس، وليس مُلك المؤسّسة الدينيّة.
المدخل الثاني لمعالجة الطائفيّة كما طرحه ناشف هو: التعامل مع الأمور في حياتنا بشكل أفقيّ لا عموديّ، والتحرّر من البنية الهرميّة، وأوّلها الأبويّة السائدة: "السنّة والجماعة".
أما المدخل الثالث والأخير هو: المحور الاقتصاديّ، ووجوب التحرّر اقتصاديًّا من النظام الاستعماري، لأنّ هذا يحرّرنا من تبنّي أيدولوجيّات مُطلقة.
رافقت المُداخلة سلسلة فيديوهات قصيرة من ضمنها فيديو "أخطر مرض"، الذي أصدرته جمعيّة "بلدنا"، ضمن أسبوع مكافحة "مرض الطائفيّة"، ومقاطع من الأفلام "بيروت الغربيّة"، و"وهلّأ لوين"، واختتم اللقاء بحلقة نقاش قيّمة بين الحضور والمتحدّث.
من الجدير بالذكر، أنّ مُنتدى "بلدنا" الثقافيّ هو عبارة عن لقاء شهريّ، يتم من خلاله تناول مواضيع الساعة الثقافيّة، والسياسيّة، والاجتماعيّة، والفكريّة... حيثُ تشمل اللقاءات عرض أفلام، واستضافة مُحاضرين مختصّين وناشطين لطرح المواضيع للنقاش.
ابتداءً من هذا العام، بالإضافة لمنتدى حيفا، انطلقت منتديات في كل واحدة من الجامعات: تل-أبيب، والقدس، وبئر السبع.