ضمن دورة المناظرة المشتركة بين مركز "إعلام" وجمعية "بلدنا"، عُقدت يوم الثلاثاء الماضي مناظرة تناولت موضوع "عروض الفرق الفنية من الدول العربية في الداخل الفلسطيني، بين مؤيد ومعارض"، حضرها العشرات من الشباب الناشط سياسيًا وإجتماعيًا.
افتتحت المناظرة بكلمة لميسرة النقاش ومدربة المشاركين في الدورة، نجوان بيرقدار، تطرقت خلالها إلى حساسية موضوع المناظرة المطروح والزخم الجماهيري الذي رافق الإعلان عنها، مما يؤكد أهميتة وضرورة نقاشه في الداخل الفلسطيني.
وأوضحت بيرقدار أن هنالك إجماع عام حول معايير المقاطعة والتطبيع مع إسرائيل بيد أن بند "المشاركة الثقافية" لا زال موضع خلاف، الأمر الذي دفع إلى فتح باب الحوار تعزيزًا لمهارات التفكير النقدي والعميق.
الفريق المؤيد: مجتمع بحاجة إلى مشهد ثقافي لتعزيز المواجه وصقل الوعي
عرض الفريق المؤيد لعروض الفرق الفنية من العالم العربي في الداخل الفلسطيني، والمكوّن من المشارك هيثم خطيب والمشارك نجيب دراوشة والإعلامية مقبولة نصّار، إدعاءه وموقفه من الموضوع، مؤكدًا أنه يحترم معايير حملة المقاطعة ويعّد المقاطعة الثقافية إستراتيجية، لكن تلك المعايير والتي تم إقرارها بعد عدة نقاشات شارك بها عشرات من المثقفين والأكاديميين من الداخل الفلسطيني، قابلة للتعديل في ظل التغييرات المحيطة، ومع تراكم التجربة، ومن خلال عملية حوار مجتمعيّ واسع- كما جاء على لسان منظمي حملة المقاطعة نفسها.
كما أكد الفريق المؤيد رفضه التام أن يكون "ورقة توت" لإسرائيل لشرعنة احتلالها وانتهاكها الدائم لحقوق الفلسطينيين سواء في غزة أو الضفة الغربية أو الداخل الفلسطيني. وأوضح انه لا فرق بين دخول العربي إلى فلسطين الـ48 والضفة الغربية، ففي كلا الحالتين سيختم جواز سفره بالختم الإسرائيلي. وأرتكز الفريق المؤيد في خطابه على ضرورة تعزيز التواصل بين فلسطينيي الـ 48 والعالم العربي بهدف صقل الهوية الفلسطينية في ظل أجواء الأسرلة؛ والتجهيل؛ والتدجين الذي يمر به الفلسطيني داخل الـ48.
وحاول الفريق المؤيد تعريف التطبيع بأنه يُحصر باللقاءات الإسرائيلية- العربية، وكل محاولات عزل الفلسطيني عن امتداده الطبيعي في العالم العربي والاستغناء عن مشهد ثقافي غني يخدم ويعزز أهداف الاحتلال الرافض لعملية صقل الوعي الفلسطيني خاصة في ظل غياب أدوات المقاومة المسلحة أو السلمية.
وأكد الفريق المؤيد على أنه ضد التطبيع، لكن على ضوابط ومعايير حملة المقاطعة أن لا تكون تعجيزية، رافضين اعتبارها منزلق نحو تطبيع تام من العالم العربي مع تل أبيب، ومطالبين ملائمتها مع الاحتياج الفلسطيني المتواجد في مواجهة دائمة مع دولة الاحتلال وبحاجة إلى شحن طاقات دائم للمواجه.
وأستشهد الفريق المؤيد في خطابة بالهزة التي أحدثها برنامج "آراب أيدول" موضحًا أن مجتمعنا بحاجة إلى "آيدول" وإلى رموز ثقافية يتماهى معها خاصة وأن الرموز الثقافية المهمة في مجتمعنا تركته وتعمل خارج البلاد في وقت نحن نناضل فيه من اجل عودة اللاجئين وليس خلق لاجئين جدد.
الفريق المعارض: تشابه بين مخطط الخدمة المدنية وبين التطبيع
وفي معرض رده على إدعاءات الفريق المؤيد، افتتح الفريق المعارض، والمكون من المشاركة زمزم فاعور والمشارك منعم معروف والناشط مجد كيّال، بتعريف التطبيع الذي يحمل ممارسات مرفوضة ويحوّلها إلى سلوكيات مقبولة وخطرة على المجتمع الفلسطيني. وأكد الفريق أن معارضته لتلك المشاركة لا تأت من موقف فلسطيني داخلي إنما تعتمد على موقف العالم العربي الذي أقر مقاطعته التامة لأي تواصل مع الكيان المحتل والذي سيحول ممارساته القمعية وانتهاكاته المستمرة لحقوق الفلسطيني لشرعية، ويعفي إسرائيل امام العالم من جرائمها.
وأوضح الفريق المعارض أنه مع التواصل العربي مع مشهدنا الثقافي الفلسطيني، لكن يجب التنويه أن هذا التواصل منزلق خطير يمس بالنضال الداخلي لإنتزاع الحقوق خاصة وأنه يجمّل صورة إسرائيل ويظهرها على أنها ساحة للديمقراطية والتعددية الثقافية، وهذا ما تحاول إسرائيل دائما أن تسوقه للعالم.
وقارن الفريق المعارض بين مخطط الخدمة المدنية المبنيّ على قيمة التطوع وبين التطبيع المبني على قيمة التواصل موضحًا أنه في كلا الحالتين نحن مع التواصل والتطوّع، كقيّم، لكن هما بداية منزلق لمخططين مرفوضين، أحدهما يشرعن الخدمة والثاني يكسر حاجز التطبيع.
وعدد الفريق المعارض في ادعاءاته المخاطر من التواصل، منها منزلق المحاكم الثقافية والوطنية، موضحًا أنه من غير الواضح من سيقرر السماح لدخول فنان معين ومنع آخر، ومن غير الواضح كيف سيتم استضافة عمل ثقافي معين ورفض آخر لا يخدم قضيتنا، كما سيعزز هذا التواصل الإدعاء الإسرائيلي بأننا نسمح للأقليات بالتواصل مع جذورها، إلى ذلك كيف سيتم تمويل تلك الفرق ومن سيقرر إذا كانت مصادر تمويلها وطنية أم مشبوه؟
ولخص الفريق المعارض ادعاءاته بالتشديد على أن نقاش التطبيع ليس حديثًا، مستشهدًا بقانون تجريم التطبيع في لبنان عام 1955، ومؤكدًا أن المشاركة لا تأتي في محاولة لخلق مشهد ثقافي فلسطيني إنما لاعتبارات اقتصادية مشبوهه. وطالب الفريق المعارض التفكير بعقلية العالم العربي والتخلي عن ان نكون في مركز الحديث ونجيّر الموقف لأهدافنا الشخصية المادية.
تقييم المناظرة
بعد العرض فتح مجال النقاش حيث قام الجمهور بتوجيه أسئلة لكل من الفريق المؤيد والفريق المعارض، وبعد ذلك قدّم كل من الفنان جوان صفدي والناشطة غدير الشافعي تقييمًا خاصًا للمناظرة حمل كل منهما موقف مؤيد وآخر معارض لموضوع النقاش.
تطرق صفدي، المؤيد للمشاركة، إلى ضرورة خلق آليات مواجهة، خاصة وأن النضّال الوحيد المطروح على الساحة هو "البقاء". بدورها تطرقت الشافعي، المعارضة للمشاركة، إلى مساعي إسرائيل لتجميل نفسها وما أسمته الخارجية الإسرائيلية بالـBRANDING ISRAEL. والتي ركزت من خلالها على نشر مشهد ثقافي مزيف يخلي مسؤوليتها عن الاحتلال والانتهاكات والممارسات القمعية اليومية.
وأنتهى النقاش بتقييم لأداء المتناظرين قدمته لجنة تحكيم خاصة مكونة من د. سهاد ضاهر-ناشف؛ الناشط عديّ محاميد؛ المهندس محمد برهم؛ والناشطة رنين زريق.